اكتئاب ما بعد الولادة من أهم تحديات الصحة النفسية للأمهات لذلك نسعى في مدونتنا تسليط الضوء على هذه القضية المهمة. تعرفي معنا على قصة نور نصار مه اكتئاب ما بعد الولادة
جاء اليوم المنشود، وحدد الطبيب موعد الولادة لأنني انهيت شهري التاسع وبزيادة عشرة أيام، ذهبنا إلى المستشفى محملين بالشوكلاته المزينة والقهوة وملابس المولودة الجديدة وكلنا شوق للقاء طفلتنا الصغيرة.
كانت الولادة يوم السبت، العاشر من شهر رمضان، وبدأت رحلتي مع الطلق واستمرت 13 ساعة. ثلاثة عشر ساعة شعرتُ فيها بتعب وألم يعادل أشهر الحمل كاملة، اختبرت خلالها دوامة من المشاعر المختلفة مجتمعة: فضحكت وبكيت وحزنت وفرحت وتعبت وخفت. وفي لحظة الولادة تحولّت كل هذه المشاعر لشعور قوي بالعاطفة، عاطفة جياشة تملأ كياني لكني لم أستطع أن أميز هذه العاطفة واختلط القليل من شعور الحذر مع هذه السعادة.
انتقلت إلى غرفتي مع طفلتي، بوجود العائلة. وأمضيت يومين رائعين في المستشفى برعاية فائقة واهتمام من كل من حولي، وحرصهم الشديد على راحتي. حتى أني لم أحظى بالوقت الكافي لحمل طفلتي وكان الجميع يقولون لي: “ستملينها غداً وستملين حملها”.
عدنا إلى المنزل، صممت على الرجوع إلى بيتي رغم إصرار أمي أن أرافقها إلى بيت والدَيّ، إلا أني كنت أكثر إصرارا وعدت إلى منزلي. رافقني زوجي في المنزل خلال الأيام الثلاثة الأولى وكان لي السند واليد المعاونة، ولكنني شعرت بشيءٍ غريبٍ داخلي، بدأت العاطفة بداخلي تتلاشى وأخذ شعور الحذر يحتل مكانها، إلى أن وقعت تحت سيطرة شعورٍ غريب من الغربة والبعد عن طفلتي وزوجي.
عاد زوجي إلى عمله وبقيت حبيسة المنزل، وحبيسة غيمة سوداء من الخوف في عقلي. إلى أن دخلت علي أمي صباح أحد الأيام، ووجدتني أنظر في طفلتي نظرة بيضاء خالية من أي مشاعر. فحضنتني وبكيت دون توقف. لطالما كانت أمي تعترف بمشاعرنا ولا تنكر علينا حقنا بالشعور السيء قبل الجيد؛ فمسكت وجهي بين يديها وقالت:” لا تقلقي حبيبتي حب يوم واحد ليس مثل حب عشرين سنة، لا تخافي، فهذه هي البذرة التي عليك أن ترويها بحبك وحنانك لكي تعطيكِ ورداً جميل الرائحة، وتملأ حياتك بالأكسجين. اكتئاب ما بعد الولادة أمرٌ عادي يصيب معظم النساء، وأسهل طريقة للتخلص منه، هي بالاعتراف بوجوده، وطلب المساعدة من الأشخاص من حولنا ومن الذين يحبوننا. “هنا أحسست بصفعة تنزل على وجهي اكتئاب ما بعد الولادة لقد قرأت عنها، لكني ظننت انها لن تصيبني فأنا إمرأة قوية مستقلة ولست عاطفية، بل أنا امرأة عقلانية وواقعية.
الاعتراف بمشاعري كان الخطوة الأولى لتحرير عقلي، الآن بعد أن عرفت مصدر السحابة التي ملئت قلبي، بدأت السحابة بالإنقشاع، ثم بدأت أطلب من أمي ووالدة زوجي المساعدة، كنت أعبّر عن مشاعري للجميع بهدوء وذهبت إلى طبيبي وتحدثت إليه عن التغييرات الجسدية، التي لم تختفي مع الولادة كما توقعت. وكان جوابه بسيطا لكنه مقنعاً “ما اكتسبته في تسعة أشهر لن يغادرك في أربعين يوم”. كل هذه الخطوات البسيطة ساعدتني لأرى النور، بدأت أستمتع بطفلتي وأحبها، بدأت أرويها من حبي وحناني وتعطيني أضعاف هذا الحب، فعلا أصبحت هي أوكسجين حياتي، وبدأت ألملم شتات نفسي لأرتقي بنفسٍ جديدة مليئة بالحياة والعطاء.
السر في العطاء يكمن في شيئين تقبل الذات والاعتراف بمشاعرنا.
يمكنك أيضاً الاطلاع على نصائح مدربة مهارات الحياة إيمان شبيطة، حول التغلّب على اكتئاب ما بعد الولادة.