بعد عام كامل من الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، وما بين التعليم الهجين واختفاء اللقاءات الاجتماعية والتجمعات الرياضية والترفيهية، ظهرت لنا العديد من التبعات والآثار علينا وعلى أبنائنا التي لم تكن بالحسبان! فالعديد من الأبناء توقفوا عن التذمر من البقاء في البيت واعتادوا على نظام حياة جديد أساسه الجلوس في المنزل والتكاسل عن القيام عن العديد من الأعمال. كسل الأطفال وربما الكبار أصبح سمة لعصر كورونا. سأتكلم في هذا المقال عن الكسل من وجهة نظر علمية ونفسية حتى نستطيع إيجاد طرق وحلول مناسبة لمواجهة هذه الظاهرة
الكسل هو عدم الرغبة في بذل مجهود لإحساسنا أنه متعب وغير مريح وهو نوع من الهروب من الألم والتعب، حدوث الكسل من وقت للآخر هو أمر طبيعي قد يحدث ولكن تكراره واعتماده كأسلوب حياة هو شيء غير محبوب يؤدي للعديد من العواقب على الصعيد النفسي والعقلي والبدني.
تكرار الكسل يجعل الدماغ يعتمده كعادة والدماغ البشري هو آلة عجيبة تعمل على توفير الطاقة والجهد ولذلك تحصل العادات.
عندما يشعر الدماغ أن هناك فعل معين يقوم الإنسان بتكراره يثبته ويجعل من الأسهل اعتماده بدلا من التفكير في أداء شيء مختلف وبذل مجهود من أجله وهكذا يصير هذا الفعل عادة يقوم الإنسان فعلها بشكل مكرر بدون وعي حقيقي. ودائرة تكوين العادة أساسها وجود مكافأة. بمعنى أن ما يحفز الإنسان على العمل والقيام بهذه العادة هو شعوره أنه حصل على مكافأة وفي حالة الكسل المكافأة هي الإحساس بالراحة وعدم بذل مجهود!! وكل ما كبرت المكافأة وكان وقتها أقرب كل ما كان ذلك حافزا أكبر للعمل.
ما قبل الثورة التكنولوجية قلما كان يوجد شخص كسول لأنه ببساطة إن لم يتحرك ويخرج ليصطاد أو يزرع ويبني بيته ويدير شؤون حياته فهو ببساطة لن يعيش. رغبته في البقاء على قيد الحياة كانت هي المحفز الأول والمكافأة لجهوده. بينما في عصر التكنولوجيا فأنت بإمكانك الاستلقاء على السرير طوال اليوم ومتابعة شؤونك وإحضار الطعام إنجاز أعمالك وحضور المدرسة بدون تحريك نفسك. فالحاجات الأساسية يمكنك عملها بدون مجهود وبالتالي تحتاج إلى محفز قوي ومكافأة كبيرة لإقناعك بالحركة!!
وفي عصر كورونا جبرنا نحن وأبناؤنا أن نبقى في البيت لفترة طويلة وأن نقضي شؤوننا كاملة أون لاين مما جعل أجسامنا تعتاد على ذلك فصار من الصعب إقناع العديد من الأطفال وحتى الكبار أن يخرجوا من المنزل ويعودوا للمدرسة ويقوموا بالنشاطات. قد لا يبدو الكسل شيئا خطيرا أو كارثيا ولكن على المدى الطويل إذا استمر وأصبح أساسا في الحياة سيكون له آثار جانبية مثل السمنة والأمراض المرتبطة بقلة الحركة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها وتأخر في القدرات العقلية (العقل البشري مثل العضلة تقوى..
الإجراءات الاحترازية بسبب كورونا ليست السبب الرئيسي فهناك أسباب أخرى أعمق مثل:
-فقدان الاهتمام والرغبة في أداء المهمات (لغياب المحفز)
-عدم وجود هدف في الحياة
-الإحباط وفقدان الأمل في وجود حل للوباء
-الخوف من الفشل في المهمات
-الخوف من النجاح! لأن هذا يعني مسؤوليات أكثر
-الاستعداد الجيني عند البعض (ولكن هذا ليس أساسيا)
-عدم وجود مكافأة ومحفز
وللأسف فإن الكسل عند الأطفال يأتي معه صفات أخرى إذا لم يعالج الموضوع مثل:
-فقدان الاهتمام بالنشاطات وغياب الفضول عن العالم حوله
-يستمتع فقط بالأشياء التي لا يبذل فيها مجهودا
-لا يقبل الرفض وسريع الإحباط والتوتر
-لا يصبر وينتظر المكافأة بسرعة وهنا يجب الإشارة أن الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي عززت هذه الصفة
-يريد التحكم بالجميع ولا يحترم خصوصية وممتلكات الغير
-إنجازاته قليلة مقابل أنه يأخذ الكثير
-يفتقر الى التعاطف مع الغير
-أناني ولا يحترم الأهل والناس
-يتهرب من التفاعل مع العالم مع أنه لديه المقومات
الحل الرئيسي والأساسي للتخلص من الكسل هو كسر دائرة تكوين العادة واستبدالها بعادات جديدة مفيدة وهذا أيضا أساسه التكرار والاستمرارية ووجود مكافأة، هذه بعض الطرق المفيدة لتحقيق ذلك:
-ساعدي ابنك أن يتخيل الأهداف بشكل واضح مثلا كيف سيكون عندما يتفوق أو يحصل على مركز متقدم في المنافسة
-احتفلي بإنجازاتهم الصغيرة وأريهم أهميتها
-كافئيهم مكافآت صغيرة عند إنجازهم المهمات
-حفزيهم بكلماتك وعرفيهم إمكانياتهم وقدراتهم وأعطيهم آراء إيجابية مفيدة عن أفعالهم وتقدمهم
-قضاء وقت نوعي معهم لتعزيز الترابط والتفاهم بينهم وهنا أريد أن أشير إلى مشروع ركن العائلة المبتكر المعني بمساعدة العائلات أن يقضوا وقتا نوعيا يقوي من ترابطهم وينمي تواصلهم بشكل إيجابي
-إعطائهم الفرصة لتخطيط أمور المنزل والمشاريع العائلية وتحميلهم مسؤوليات داخل المنزل
-كوني قدوة بنشاطك وحيويتك
-فليكن لكم نشاط خارجي بشكل دوري مثل الحديقة والبحر
-كوني منطقية في توقعاتك: مازالوا أطفالا وما مروا به في عصر كورونا ليس سهلا ويحتاجون الوقت والجهد ليعودوا لنشاطهم
-عززي قيمة الصحة بالطعام الصحي وأداء تمارين رياضية، السر هنا باختيار نشاط يحبونه
-كوني حازمة وصارمة في عمل توقيت وجدول لاستخدام الالكترونيات
-اسمحي لهم أن يشعروا بالملل! فهذا سيحفزهم على ابتكار ألعاب ونشاطات ولا تلومي نفسك أبدا في هذا الجانب
-لا تسمحي بأن يظلوا في ملابس النوم طوال اليوم فهذا يزيد من الشعور بالكسل
نقطة مهمة يجب ذكرها وهي أنه يجب التفريق بين الكسل بسبب عدم الرغبة ببذل مجهود والكسل بسبب أن الجسم يشعر بالخمول وانخفاض الطاقة فهذا قد يكون عرضا مرضيا ويجب استشارة الطبيب للبحث فيه مثل اختلال توازن بعض الهرمونات ونقص الفيتامينات وفقر التغذية أو أمراض مزمنة أخرى.
أمع أطيب التمنيات بحياة سعيدة ملؤها النشاط والحيوية.
تصفحي أيضاً المشاعر لدى الأطفال وأهمية التواصل الفعال لفهمها