يلعب التفاعل الاجتماعي دورا هاما ومركزيا في عمليه التعلم والتطور العقلي لدى الأطفال منذ الطفولة المبكرة حيث ينكشف الطفل من خلاله للأدوات الثقافية في الحضارة التي يعيش فيها إضافة الى اكتساب المعرفة والخبرة والمهارة من خلال تفاعله مع شخص أكثر خبره ييسر اللقاء بينه وبين العالم لمحيط الذي يعيش فيه وهو الوسيط.
من هو الوسيط؟
الاهل هم الوسطاء الأهم في مرحله الطفولة المبكرة لكون الطفل يقوم بغالبيه الأنشطة في هذه المرحلة العمرية بصحبة الاهل لكن هذا لا يعني ان عملية الوساطة تقتصر على الاهل فقط فقد يختلف الوسيط باختلاف المكان والزمان وقد يقضي الطفل وقتا كبيرا عند الجدة او عند الحاضنة او في صفه فيكون مقدم الرعاية في كل حاله من هذه الحالات باختلافها هو الوسيط بين الطفل والعالم المحيط.
وتتفق التوجهات والنظريات المختلفة التي تبحث تطور الطفل في السياق الاجتماعي على تأثير الوسط الاجتماعي الذي ينمو فيه الطفل ليس فقط على التطور المعرفي للطفل وجودته وانما على طريقة تفكيره ايضًا، على رأس هـذه النظريات نظريه العالم الروسي ڤيجوتسكي والذي يرى ان عمليه التطور عند الطفل تحدث في منطقه النمو القريبة) Zone (of Proximal Developmentوهي منطقه افتراضية تقع بين المعارف والقدرات والمهارات التي بتقنها الطفل (الوضع الحالي ) وبين مستوى التطور المنشود حدوثه عند الطفل خلال حل “مشكله” معينه بإرشاد الوسيط.
فلنطرح مثالا للعبه محببه لدى الأطفال وهي لعبه البازل، هل يعرف الطفل كيفية تركيب البازل بالفطرة؟ بالطبع لا! اذكر ان ابنتي تلقت من جدها اول بازل مكون من أربع قطع في عمر أقل من عام كانت الصورة واضحة جدا وقليلة التفاصيل وهي صوره لبقره تأكل العشب وفوقها سماء زرقاء وشمس وكان علي في كل مره نركب فيها البازل ان ألفت انتباه ابنتي للاستراتيجيات مثل تشابه الألوان وشكل الحيوان والإطار ثم تدريجيا أصبحت تركب البازل بشكل مستقل. كيف؟ تحول توجيهي لها والاستراتيجيات التي تعرفت عليها اثناء عمليه الوساطة الى حديث داخلي تُحدث به نفسها اثناء عمليه تركيب البازل ،”علي ان انتبه للون القطعة، هنا يوجد عين لا بد ان هذه القطعة تكمل رأس البقرة”… عند الانتقال الى مستوى اكثر تعقيدا في تركيب البازل ولنقل ٩ او ١٢ قطعه ستستعمل طفلتي الاستراتيجيات التي اكتسبتها وفهمتها ولكن ستصبح وظيفتي كوسيطة ان ادعمها واشجعها لزيادة ثقتها بقدرتها على النجاح بتركيب البازل ثم اضيف لخبرتها بأن الفت انتباهها الى استراتيجيات جديده واكثر تعقيدا لإنجاز المهمة، وبذلك اساعدها على اكتساب أدوات جديدة للتفكير.
مع ممارسه هذا النشاط بشكل متكرر وتدريجيا ستصل طفلتي لفهم أعمق وقدرة اعلى على التفكير بشكل مستقل وستكتسب مهاره تركيب البازل بشكل مستقل دون الحاجة الى أي توجيه.
مثال آخر لفعالية نقوم بها بشكل يومي مع الطفل وهي شائعة جدا بين الاهل في مرحلة الطفولة المبكرة وغيرها هي قراءة القصة ولقاء الطفل مع الكتاب.
في البداية يعتبر الكتاب غرضًا كباقي أغراض الطفل فهو لا يعرف لماذا نستخدمه؟ كيف نحمله؟ على ماذا يحتوي؟؟؟…
من خلال التفاعل مع قارئ القصة وقراءتها بشكل روتيني مع وسيط ناجح يتعرف الطفل على الكتاب، كيف نحمله، اتجاه الكتابة، كيفية تقليب صفحات الكتاب …من خلال الوساطة وتدريجيا يفهم الطفل العلاقة بين الغلاف وموضوع القصة، علاقة صور القصة ومحتواها وفي كل لقاء جديد مع القصة يكتسب الطفل معرفة وخبره جديده تضاف الى تجاربه وخبراته.
إذا ما هي الوساطة الناجحة؟ هي الوساطة التي يكون فيها التفاعل بين الطفل والبالغ يتحلى بالانسجام وكلاهما مستمعان نشطان، يستثمر فيها البالغ كل إمكانيات التعلم الكامنة في هذا التفاعل مع الاخذ بعين الاعتبار طاقات الطفل النفسية والعقلية.