هذه القصة حقيقية من وحي تجربة والدة آمال مع اكتئاب ما بعد الولادة وآثاره عندما يترك بدون علاج. في هذا الجزء تلقي آمال الضوء على جانب من التفاؤل مع مشوار والدتها مع اكتئاب ما بعد الولادة وتحوله إلى ذهان. نرجو أن تقوم هذه السلسلة الواقعية على زيادة الوعي بقضية اكتئاب ما بعد الولادة وأهمية العناية بالصحة النفسية للمرأة.
يُقال “العلاج المثالي لكل أوجاع القلب هو الضحك، وعدم أخذ الذاكرة مأخذ الجد.” ضحكت كثيراً وأنا أقرأ هذه العبارة..
الذكريات..
عندما كنت بمرحلة المراهقة كنت أعتقد أن أفضل للمرء أن يفقد ذاكرته..
وكنت أدعو الله دائماً أن يأخذ كل مُر مرر حلاوة أيامي. أن ينسيني عائلتي حياتي وكل مل مر بي من ألم لأبدأ من الصفر..
أي صفر؟!
يعني عند أول صرخة صرختها بعد أن ركلت بطن أمي تسعة شهور وأنا اجاهد لأخرج لهذه الدنيا..
لكن ما الذي كان سيتغير بعد ذلك؟!
أبوك.. أمك.. نسبك.. اسمك هي مسلمات ثابتة في الحياة مكتوبة لنا قبل وجودنا. لن نستطيع تغييرهم او استبدالهم.. لكن شخصيتك قراراتك طريقة حياتك تفكيرك عباداتك ذنوبك حسناتك هي اختياراتك انت..
أعطانا الله حرية القرار فيها لهذا كرمنا الله عن سائر مخلوقاته بنعمة العقل.. فلا يسمح لنا أبدا أن نجعل من الظروف سببا وعلاقة للفشل لنحمله مسؤولية لأهلنا ونقول لهم أنتم السبب..
حياتنا أنا واخوتي مرت بكثير من المراحل..
لدرجة أن إحداهن علقت على هذه السلسلة قائلة ” وأنا أقرأ قصتك لولا حسيت الصدق بكلامك كان قلت هذه قصة خيالية ما بنشوفها الا بالأفلام والمسلسلات “..
قلت لها لو كنت أنا مكانك ومرت علي هذه القصة بمسلسل لن أصدق حقيقتها وسأتمنى لو كانت بالفعل خيالية.
حياتي بالمختصر
-في الصف الرابع سافرنا لوطننا الاردن
-في الصف العاشر رجعت للإمارات مع بركتنا وإخوتي الثلاثة الصغار.. بقيت اختي وأخي الكبير في الاردن لإنهاء المرحلة الجامعية..
وعند انتهائنا من المرحلة الثانوية كنا نذهب للأردن لان تكاليف الجامعة اقل.
كنا نقطن في المنزل مع عمتي وهي غالبا كانت مسؤولة عن كل شيء يخصنا وإن رفضنا.. كان ينظر الينا دوما بنظرة الشفقة والعجز.. او قلة المسؤولية وقلة الثقة وأننا غير مؤهلين لرعاية أنفسنا..
وهذا سبب شعور لدينا بالعجز وقلة الحيلة.. وأننا دوما سنعيش بفضل الناس ومهما حاربنا واجتهدنا لن تكون لنا حياة طبيعية مثل الناس..
مضت سنوات من أعمارنا ولم نشعر بشعور العائلة لمرة واحدة. تشتتنا بين الغربة والمرض. كانت معالم عائلتنا مجهولة الهوية. أهم بند مفقود وهو عامود المنزل وأساس الحب. أمي..
أرجوكم لا تشتتوا أولادكم بالغربة إلا إذا كان هذا خياركم الوحيد..
لا تختاروا الغربة والتفرقة.. آخر خيار عليكم اختياره لمصلحة اولادكم هو أن تعيشوا متفرقين في المكان كعائلة..
لا يمكنكم تصور حجم معاناتي أنا وأختي لنلم شمل عائلتنا من جديد. لنعيد احياء الحب والالفة والروح الواحدة..
الأب والأم هم سبب اختيارات أولادهم السنوات الخمسة عشر الأولى من حياتهم..
هم سبب في نوع الكاريزما ونمط التفكير..
سند البيت وربة المنزل يجب أن يكونوا صانعي قرار. أن يفكروا بثمانين سنة مقدما قبل حدوثها..
كثيرا ما سألت نفسي..
لو والدي قام بعلاج امي مبكرا كيف كانت ستكون حياتنا؟
لو انه لم يبعدنا عنه وبقينا معه واحضر لنا مربية لتساعدنا في امور حياتنا..
لو أنه منع الجميع من التدخل في حياتنا…
ولو رجس من عمل الشيطان.. ثم أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأقول في نفسي وأقر واعترف..
“يا الله انا واثقة أن أبي ونحن لم نحسن الاختيار فوكلنا لك أن تختار وانت احسنت الاختيار بما هو خير لنا وحاشا أن نعترض على ما هو من عندك “
إذا حان وقت اختيار نمط الحياة التي نرغب أن نعيشها. حان وقت أن نختار طريقة عمرنا المتبقي كل منا سيشق طريقه مع ركام الذاكرة..
سننسى من كان سببا في أذيتنا. سننسى كل كلمة جارحة كانت من أقرب الناس الينا، وسنتعلم الثقة والحب، وسنتعلم الا نحتاج أحد الا الله، وسندعو الله كثيرا وسيستجيب! سنتصالح مع المرآة التي لطالما كرهنا حقيقتنا التي تواجهنا بها كلما نظرنا إليها…
كان الطريق طويل جدا.. كان مظلما وصعب.. لكنني أؤمن أنه سيطلع من هذه العتمة قمر..
أخي الكبير أنهى دراسته الجامعية وعمل في مجال دراسته، كانت لديه غرفة خاصة عند عمتي وأختي الكبيرة ذهبت لعائلتي بالإمارات كانت مسؤولة عن امور المنزل ودراسة اخوتي الصغار..
وأنا على وشك انهاء المرحلة الجامعية..
منذ عام ٢٠٠٦ لم نلتم في منزل الا وكان هناك أحد من افراد عائلتي ينقصنا..
لطالما الصورة كانت ناقصة…
الصورة الوحيدة والأخيرة التي اجتمعنا فيها كعائلة كانت من آخر ألبوم طلبت فيه أمي من الممرضة أن تلتقط لنا صورة جماعية بعد ولادة آخر العنقود..
ورغم كل المستحيلات قررنا ألا نيأس، لن نستسلم، يليق بنا ان نستسلم لهذا القهر. ليست هذه الحياة التي نتمناها، كيف نستسلم وهناك رب السماوات والارض ينادينا كل يوم لندعو ويجيب الدعاء..
ومن كرمه سبحانه وعطائه لم يجعل لنا حاجة عند بشر دون أي مبالغة وبكل ايجابية مرت ثلاثون سنة من عمري لا أحد يستطيع أن يمن علينا بمساعدة أو كلمة طيبة قدمها لنا أو أي تصرف ايجابي يجعلنا نتمسك ونحب هذه الحياة..
وأعتقد أنه من حكمته تعالى انه أراد ألا تكون لنا حاجة عند أحد لنحتاج بعضنا. ونتجاوز كل الثغرات في حياتنا بمساعدة بعضنا لنشعر بشعور الاخوة والمحبة والرفق، وليرتاح ابي من عذاب الضمير الذي ضل يرافقه لظنه انه السبب في كل ما يحصل.. وحتى ترفع أمي رأسها فخرا بنا وليعلم العالم أجمع أنه من رحم الألم يولد أمل ومن قلب أم خانها عقلها ولكن لم يخنها إيمانها ولبركتنا ترفع راسها فينا…ويعرف العالم كلو إنو من رحم الألم يولد أمل ومن قلب أم خانها عقلها ولكن لم يخنها إيمانها تولد معجزة ….
معجزة إمرأة ذهانية
يتبع