مع ولادة طفل جديد يختلف كلّ شيء في حياة الأم؛ تختلط السعادة بالمولود الجديد مع صعوبة التأقلم مع تغيّر نظام النوم، والروتين، ومسؤولية الأم تجاه الطفل وتجاه نفسها وأسرتها. يتزامن كلّ هذا مع هبوط حادّ في هرمونات الإستروجين والبروجستيرون بعد الولادة، فيكون من السهل جدًا أن تقع الأم ضحية للاكتئاب. تعرفي على اكتئاب ما بعد الولادة وكيف يمكنك أن تحمي نفسك منه.
ما هو اكتئاب ما بعد الولادة ؟
هو حالة من الحزن الشديد والكآبة لفترة محددة تعاني منها الأم خلال الحمل أو خلال فترة ما بعد الولادة. تتفاوت الأعراض في شدتها، وتتلخص فيما يلي:
– الشعور بالكآبة والحزن والإحباط، والتقلبات المزاجية، والإفراط في البكاء
– التعب والإرهاق العام، وفقدان النشاط والحيوية، وعدم الاستمتاع بالأمور التي كانت تُشعر الأم بالسعادة سابقًا
– فقدان الشهية أو زيادتها، والمعاناة من الأرق أو من ساعات النوم الزائدة عن المعتاد
– شعور الأم بأنها أم غير جيدة أو غير صالحة للأمومة، وصعوبة التعلق بالطفل
– العزلة الاجتماعية، وعدم الرغبة بالتواصل مع الأهل والأصدقاء
– لوم النفس، والشعور بالذنب دون مبرّر، وإحساس الأم بضعف التقدير لنفسها
– التفكير بإيذاء الطفل، أو إيذاء النفس أو الموت، وحتى محاولة الانتحار
ما هي أنواع اكتئاب ما بعد الولادة وما هي علامات الخطر؟
1| كآبة ما بعد الولادة (Baby Blues)
وهي مرحلة من المشاعر السلبية التي تصيب الأم بعد الولادة مباشرة. تستمر لمدة لا تزيد عن أسبوعين، ويعاني منها ما يقارب 75٪ من الأمهات بعد الولادة.تعتبر هذه الكآبة نتيجة متوقعة لتغير روتين الحياة، ونظام النوم بعد الولادة، وكذلك بسبب الضغط النفسي الناتج عن وجود طفل جديد في حياة الأم يحتاج رعايتها المستمرة جسديًا وعاطفيًا.
2| اكتئاب ما بعد الولادة
وتشبه أعراضه أعراض كآبة ما بعد الولادة، لكنها أطول مدّة وأكثر شدّة. يصيب ما يقارب 12٪ من الأمهات بعد الولادة، وحوالي 7٪ من الرجال بعد أن يصبحوا آباءً -خاصة للمرة الأولى-. تبدأ أعراضه -عادة- خلال الأسابيع الستة الأولى، وحتى سنة كاملة بعد الولادة. لكن تشخيصه لا يتم إلا إذا استمرّت هذه الأعراض بشكل يوميّ لمدة أسبوعين كاملين على الأقل.
3| ذُهان ما بعد الولادة
، وهنا إنذار الخطر! حيث تعتبر هذه الحالة من الطوارئ الطبية، وتستدعي التدخل العلاجي الفوري لأن الأعراض قد تكون شديدة جدًا، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية كالانتحار أو قتل الطفل. الذُهان نادر الحدوث بعد الولادة (يصيب 0.1٪ من الأمهات)، ويعني الانفصال عن الحقيقة، فقد تعاني الأم من أعراض كالهلوسات السمعيّة والبصرية؛ أي أنها ترى وتسمع أمورًا غير موجودة، ومن أفكار وسواسية عن نفسها وعن الطفل، ومن الشكوك بما حولها ومن حولها، وكذلك الإقدام فعلًا على إيذاء نفسها أو طفلها.
كيف تحمي نفسك -كأم- من اكتئاب ما بعد الولادة ؟
الحماية (والعلاج) تبدأ في فترة الحمل؛ منذ اللحظة الأولى لخلق الجنين تستطيع الأم اتباع بعض الخطوات البسيطة التي تضمن لها -في معظم الأحيان- حملًا هادئًا، وولادة سليمة بعيدة عن الكآبة والاكتئاب قدر المستطاع.
إليك عشر نقاط:
1-الالتزام قدر الإمكان بالرضاعة الطبيعية
ليس فقط لقضاء وقت مع طفلك وتعزيز علاقتك به معنويًا، بل إنّ الجسم يفرز خلال الرضاعة هرمون الأوكسيتوسين، الذي يسمّي بـ “هرمون الحبّ”، وهو حرفيًا يزيد مستويات الحب والسعادة لدى الأم والطفل، ويزيد -كذلك- انقباض الرحم وحرق السعرات الحرارية، مما يساعد في خسارة الوزن الزائد بعد الولادة. ومن المهم جدًا المحافظة على شرب الماء لتعويض خسارة السوائل مع الرضاعة.
2-النوم
يحتاج الطفل في السنة الأولى من عمره إلى 12-16 ساعة من النوم يوميًا؛ لذلك يعتبر تنظيم النوم من الأولويات بعد 4-6 أسابيع من الولادة. يساعد روتين النوم للطفل على إيجاد مساحة حرة للأم ومساعدتها على التعافي نفسيًا وجسديًا بعد الولادة.
3-قضاء وقت نوعي مع الطفل
لا تجعلي علاقتك بطفلك علاقة محددة فقط بالحاجات الجسدية، بل كوّني معه علاقة جميلة؛ اقرئي له، وتحدثي إليه، واجعلي لحظاتك معه لحظات متعة وسعادة بشكل واعٍ مدرك.
4- خصصي وقت لنفسك
خصصي وقتًا بشكل يوميّ (ولو ربع ساعة) للقيام بشيء يشعرك بالسعادة، وبشيء يشعرك بالإنجاز والرضى عن نفسك؛ كفنجان قهوة على غير عجل، أو الاعتناء ببعض الزهور، أو قراءة صفحة من كتاب.
5-المحافظة على نظام حياة صحي متكامل
كاتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة تدريجيًا ولو بالمشي داخل البيت، والنوم الكافي، ومحاولة تخفيف الضغط النفسي -قدر الإمكان- باتباع بعض الممارسات الروحانية كالصلاة، والتأمل.
6-اقرئي!
المعلومات متاحة عند أطراف أصابعك، استخدمي محركات البحث؛ اقرئي كتبًا عن الحمل، وعن الولادة، وعن التربية، وكذلك عن الاكتئاب وعن تأرجح الهرمونات خلال الحمل وبعد الولادة. الخوف من المجهول عدونا كبشر، لذلك كوني مستعدة، وحصّني نفسك بالمعلومات بدلًا من الحيرة والقلق.
7-فهم الذات
كوني واعية ومدركة لحديثك الداخلي، وللرسالة التي تخاطبين بها نفسك؛ كيف تنعكس على تصرفاتك وردات فعلك؟ كوني إيجابية، أو على الأقل حاولي! ركزي على النور في آخر النفق، وتأكدي أنّ طفلك سيكبر قريبًا، وسيصبح له روتين يسمح لك بالعودة إلى حياتك؛ الموضوع يحتاج فقط إلى بعض الصبر والإيجابية.
8-التواصل الاجتماعي
تميل الأمهات إلى العزلة والانطواء بعد الشهر الأول من الولادة، مما يرفع احتمالية الإصابة بالملل، والكآبة، والتركيز على سلبيات الحياة. لا تكوني ضحية لذلك؛ بل خصصي ساعة كل أسبوع -على الأقل- للتواصل مع العائلة والأصدقاء.
9-لا تنتظري الدعم؛ بل اصنعيه بنفسك!
اطلبي المساعدة ممن حولك؛ الزوج، الأهل، الأصدقاء. ضعي جدولًا لمساعدتك من الناس في التعامل مع الطفل، في قضاء نصف ساعة معه وإعطائك بعض الوقت لنفسك، حتى في ترتيب بيتك أو إعداد الطعام لأسرتك. مجتمعنا مجتمع حبّ وعائلة؛ سخّري ذلك لصالحك.
10-اطلبي المساعدة الطبية إن شعرت بأعراض الاكتئاب.
لا تنتظري تفاقم الوضع؛ خاصة إن استمرّت الأعراض فترة أسبوعين أو أكثر. الحماية من الاكتئاب هي الخطوة الأولى؛ لكن بمجرد حدوثه، عليك السعي للشفاء من خلال مساعدة أصحاب الاختصاص الطبي، وليس من خلال الخرافات، أو التقاليد المجتمعية التي ستزيد الحال سوءً فحسب.
هذه الخطوات لا تغني عن وجود وعي مجتمعي، وإيمان عميق في ثقافتنا بحقيقة وجود الأمراض النفسية كاكتئاب ما بعد الولادة، وبرفع الوصمة الاجتماعية عن كل مصاب أو مصابة بها، وبمساعدة من العائلة -خاصة الزوج- والأصدقاء لرفع البأس عن الأم بعد الولادة، وتسهيل اندماجها في حياتها الجديدة، وتخفيف التوقعات منها، وحجب الألسنة عن الحديث والانتقاد وإبداء الآراء في كلّ شيء.
إذن؛ لا بدّ من القوة والوعي من داخلك كأمّ، ومن الدعم والمساندة من المجتمع المحيط، فهي مسؤولية مشتركة حتى تتحقق سلامة الأم وسلامة الطفل.