دعوني أخبركم عن ابنتي ميريانا الطفلة التي غيرت عالمي ككل …هي نجمة بين أخوتها الصبية جعفر ومصطفى، لم أكن أعتقد يوما َ أنني سأكون أما لطفلة جميلة، ولطيفة مثلها!
اليوم ستتم ميريانا عامها الخامس، ومعها دائماً إلى جوارها أخوها الرائع توأمها جعفر فكل عام وأنتما بخير يا أغلى ما أملك، قبل أربعة أعوام من اليوم تم تشخيص ميريانا بالشلل الدماغي ، وأذكر أنني كنت في ذلك اليوم أمر في مرحلة الإنكار ولم أكن أعي ماهية الشلل الدماغي
يوم تشخيص ميريانا قالت الطبيبة بأنه لا يوجد علاج لمثل هذه الحالات، وفعلا لم أستوعب ولا حرف مما قالته، فما معنى لا يوجد حل! وبدأت اسأل وأبحث، لم أكن فعلياً بحاجة لحل فوري بل لأمل بأنه يمكنني تغيير الواقع، ومنح طفلتي فرصة أفضل! نعم مجرد أمل ينير طريقنا ويشعرنا بالأمان على طفلتنا، واستمريت بالبحث حتى توصلت إلى معلومات عن عملية جراحية تسمى عملية ال SDR (عملية القطع الاختياري للعصب الحسي) وتجرى في الولايات المتحدة الأمريكية في مستشفى سانت لويس للأطفال، وهي تساعد في بعض حالات الشلل الدماغي التشنجي تماماً كحالة ميريانا.
يمكنك معرفة المزيد حول العلامات الأولى وتشخيص مريانا في مقالي: وحصل ما كنت أخشاه!
سألت المعالج المسؤول عن حالتها حينها، لأعرف المزيد؛ لكنه لم يكن يعرف عن هذه العملية ولا حتى سمع بها من قبل كما وسألت طبيب الأعصاب المسؤول عن حالة ميريانا وأيضا لم يبدي معرفة بها..
كنت أذهب إليهم وكلي أمل وأخرج من عندهم فاقدة له … ولكن كيف أخذ استشارة من شخص لا يعرف عن ماذا كنت أتحدث!
لذا بدأت أبحث أكثر وأقرأ أكثر أتذكر أني قضيت الليالي وأنا أقرأ وأبحث تفاصيل التفاصيل، وأتواصل مع أشخاص من كافة الجنسيات يؤكدون جدوى هذه العملية وسعادتهم باتخاذ القرار لإجرائها لأطفالهم، لم أكتفي برأي أشخاص انما قمت بتحميل دراسات طبية وقراءتها كاملة.
كانت العلامات واضحة وتقودنا إلى أن هذه العملية SDR ستساعد على تحسين نوعية حياة ميريانا، وتغيير حياة الذين يعانون من الشلل الدماغي التشنجي وتحسين مستوى الحياة لديهم وخاصة إذا ما أجريت في عمرٍ صغير فهي تتيح فرصة للطفل لينمو بطريقه أفضل..
فميريانا تعاني من تشنج (شد) مرتفع بالفعل، ويمكن أن يصبح أكثر شدة مع نموها مما يعني أن المفاصل ستتأثر وقد تظهر خارج مكانها بسبب التشنج (الشد)، بالإضافة إلى التشنجات وآلام العضلات الشديدة، نعم هنالك أدوية، لكن مع عمرها الصغير ليس حلا فهذا سيزيد الجهد على كبدها الصغير، وهذا ليس ما نريده لها. هذه الجراحة ستزيل التشنج بشكل دائم، وتكون نتائجها أفضل في عمر أصغر..
في هذه الأثناء تولد بداخلي أمل دفعني بقوة إلى الاستمرار بعمل العلاج الطبيعي لميريانا لتهيئتها لمثل هذه العملية، حيث أن هنالك شروط تحكم قبول الطفل لإجراء العملية، ومنها أنه يجب أن يتمتع بقوة عضلية في منطقة الجذع، وعدم وجود خلع في مفصل الحوض، وكلما كان الطفل مكتسباً لمهارات حركية أكثر كلما كانت جدوى العملية أفضل..
موقنين ما يتطلب الأمر من جهد ومن شروط، وضعنا أمامنا هدفا وعملنا لأجله.. قمنا بمراسلة الطبيب في مستشفى سانت لويس وبعد أرسال التقارير، وصور الأشعة والفيديوهات، وبتيسير من الله تعالى تم قبول ميريانا لعملية ال SDR ، وأعطانا دكتور بارك أملاً كبيراً، وتوقع لها أن تصبح مستقلة، وقادرة على المشي … وبدأ المشوار ..
بعد مشوار طويل سافرت ومريانا لإجراء العملية، وسأشارككم خلال السطور القادمة تفاصيلها، بعد العملية مباشرة اختفى الشد وأصبحت حركة قدميها سلسة جداً، وهي مستلقية. أيضا تفاجأنا بضعف عضلات ميريانا بعد زوال التشنج، وكنت مصدومة حينها، وأتسأل كيف كان لها أن تكبر بمثل هذه العضلات الهزيلة! فكما نعرف القوة العضلية تزيد مع انقباض وانبساط العضلة أما عضلات ميريانا فكانت دائما منقبضة، وهذا ما أدى إلى ضعفها كما وقصرها.. وبإزالة عامل الشد فان ذلك سيعطيها الفرصة لتقوى وتنمو بشكل سليم. تخيلت التشنج مثل وحش يأكل بعضلات ساقيها ولله الحمد قضينا عليه..
وبعد شهرين من إجراء العملية لميريانا مع دكتور بارك في مستشفى سانت لويس للأطفال بدأنا نرى التأثيرات الإيجابية. فقبل العملية كانت ميريانا معتمدة على جهاز المشي والآن هي تتنقل باستخدام العكازات.
قبل العملية كان التشنج عالٍ في قدميها لدرجة أنها لا تستطيع ارتداء صندل أو أي حذاء آخر فلم يكن يثبت، أما الآن فهي تستطيع ولكن للمحافظة على وضعية القدم والركبة يجب الالتزام بارتداء الجبائر.
قبل العملية كان من المستحيل على ميريانا الوقوف من وضعية (نصف الركوع) أما الآن فهي تستطيع بقليل من المساعدة.
في آخر لقاء لنا مع الطبيب أكد أن ميريانا ستتطور حركياً لتصل لمرحلة الاستقلالية، ولكنها بحاجة للكثير من التمرين، وخاصة لتقوية العضلات وتحسين التوازن وأخبرني وهو ينظر إلى بأن ميريانا صغيرة وما زال أمامها خمس سنوات لتتطور، وما هذه العملية إلا بداية الطريق، وعليكم الالتزام بعلاجها الطبيعي والوظيفي ودعمها نفسياً، وتم وضع خطة علاجية مفصلة والإيعاز بالتواصل معهم باستمرار.
وبعد سؤال اختصاصية العلاج الطبيعي ندى الكيلاني عن جدوى هذه العملية وتأثيرها من خلال الأطفال الذين تابعتهم قبل وبعد العملية ردت: عملية ال SDR هي إجراء طبي هدفه فقط التخلص من الشد أو التوتر الزائد في الأطراف السفلية، وهي تتم لأكثر من هدف بحسب رأي الطبيب المختص ففي بعض الحالات الشديدة ينصح الطبيب المختص أو الفريق الطبي بهكذا إجراء للتخفيف من الشد بهدف تقليله لتكون العناية بالطفل أسهل وتحسين نوعية حياته، ولتخفيف تأثير الشد على المفاصل وتقليل الألم، وحمايته من أي إجراءات تصحيحيه في العظام. أما إذا كان الطفل من الحالات الخفيفة فقد يكون مثل هكذا إجراء هو فرصة لتحسين أداءه الوظيفي وتحسين قدراته الحركية.
وفي هذه الحالات الخفيفة إذا كان الطفل مقبولا كمرشح لهذه العملية فإن نجاح تحقيق الهدف واستمرارية الطفل بالتحسن حركيا (كتحسين نمط الحركي أو تحقيق المشي مثلا) يعتمد على عدة عوامل منها:
- أهلية الطفل لهذا الإجراء وحسن تقييمه من قبل الطبيب المختص
- الالتزام بالعلاج الطبيعي
- عدم إبقاء الطفل في وضعيات خاطئة حتى لو لا يوجد شد لكن العضلات ضعيفة لا تسمح له بالحفاظ على الوضعيات الجيدة.
فعندما يأخذ الأهل القرار بإجراء هذه العملية لأطفالهم عليهم أولا الالتزام بعلاجه ما بعدها، وتغيير نظام حياة الطفل تغييرا جذريا والالتزام بنظام علاجي مكثف. ويعنى بالمكثف أن الطفل يتم تدريبه على أكثر من فترة خلال النهار أي إبقاء الطفل نشيطاً، وفي بيئة محفزه وبوضعيات صحيحة.
ويجب التنويه بأن التطور قد يكون نسبيا بسبب التخلص من الشد وتأثيره على المفاصل والعظام ونسبته حسب اختلاف كل حالة؛ لكن فرصة تحسن الطفل من الحالات الخفيفة تكون أعلى وقد تكون مبهرة في بعض الحالات.
ومن خلال بحثي تعرفت على مجموعة كبيرة من الأهل المهتمين، والذين أجروا العملية لأطفالهم، وكونا مجموعة دعم وأخذت والدة الطفلة مايا المبادرة، وقامت بتبني فكرة نشر الوعي عن هذه العملية، وعندما سألتها عن اثأر العملية على طفلتها بعد سنة من هذا الأجراء ردت : “على الرغم من أنه قد كان طريقاً صعباً و طويلاً؛ لكن طفلتي البطلة نجحت واستطاعت أن تمشي بثبات أكثر، وقدرة تحمل أعلى و أصبحت قادرة على صعود الدرج و نزوله و القفز و الجري و التسلق و تحسن نطقها بنسبة 100% و تدربت على استخدام الحمام في أسبوع واحد، عملية ال SDR أعطت طفلتي فرصة جديدة لتكون الطفلة التي تريد أن تكون”
قامت أم مايا بأنشاء صفحة على الفيس بوك لمشاركة التجربة، ولقراءة المزيد عن وجهة نظر بعض الأهل يمكنكم زيارة المجموعة التعريفية لأهالي الأطفال الذين أجروا عملية SDR.
ولمن هو مهتم أن يعرف المزيد عن هذه العملية قمت بالترجمة من بعض المصادر التي سأرفقها لمن يريد البحث:
العملية تسمى Selective Dorsal Rrhizotomy وترجمتها عملية القطع الاختياري للعصب الحسي، هي إجراء طبي معتمد للتخلص من التوتر الزائد في عضلات الجسم السفلية عن طريق قطع بعض الألياف العصبية الحسية الراجعة من العضلات. العملية تنطوي على فتح العمود الفقري ثم يقوم جراح الأعصاب بتقسيم كل من الجذور الظهرية إلى 3-5 جذور ثم يعمل على تحفيزها كهربائياً، ومن خلال فحص استجابات جهاز lectromyographic (EMG) من العضلات في الأطراف السفلية ، يحدد الفريق الجراحي الجذور التي تسبب التشنج. يتم قطع الجذور غير الطبيعية مما يقلل الرسائل من العضلات، ما يؤدي إلى توازن أفضل بين أنشطة الخلايا العصبية في الحبل الشوكي ، وبالتالي يقلل من التشنج (الشد الزائد).
ليس كل الأطفال مرشحين للعملية، وSDR ليست علاجًا ولكن تقلل بشكل كبير من التشنج، مما يتيح تغييرًا جذريًا في قدرة الطفل. بعد إعادة التأهيل، وبعد العملية هذه سجلت حالات عديدة من الأطفال استطاعوا الوقوف أو المشي دون مساعدة لأول مرة وأولئك الذين كانوا يستطيعون المشي، شوهد تحسن ملحوظ في مشيتهم بعد العملية. وقد تم تسجيل تغييرا جذريا في وضعهم، والراحة العامة والمزاج.
تصفحي أيضاً لينا أبو سمحة وندى الكيلاني: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
“هذه العملية، حرفياً، تغّير حياة الناس.”
لمعرفة ما إذا كان طفلك مرشحًا مناسبًا عليك الاتصال بأحد المستشفيات الإقليمية التي تجري الجراحة. بعد الجراحة، يعاني الأطفال من الضعف بشكل لا يصدق وذلك من أثر التشنج الذي كان في عضلاتهم من قبل العملية لذا يحتاجون إلى علاج طبيعي مكثف خلال الأشهر الستة الأولى ومن ثم التحسن خلال السنة الأولى بعد العملية واستمرار المكاسب لعدة سنوات بعدها.
المصادر:
ندى سليمان محمد زيد الكيلاني
أخصائية علاج طبيعي أطفال خريجة الجامعة الأردنية عام 2005 حاصلة على أكثر من عشر سنوات خبرة من داخل الأردن وخارجه وعلى شهادات ودورات معتمدة دوليا من خارج الأردن في مجالات مختلفة تختص بالعلاج الطبيعي تبحث في مجال العلاجات المتوفرة لحالات الشلل الدماغي عند الأطفال.