قرأتُ منذ زمن أن السنوات الأولى في عمر الإنسان لها دور كبير في تشكيل نمط تفكيره، لستُ تربوياً بالأساس لكنني فكرت وزوجتي، وقررنا أننا يجب أن نربي أطفالنا مع الحفاظ على أهم الصفات التي ولدوا بها … وهي العقلية الإبداعية. تعرفو على كيف استخدمت الليغو في ذلك
في هذه المقالة
استخدام الليغو في تنمية العقلية الإبداعية للأطفال
اسمي أحمد في منتصف الثلاثينات.. مهندس نظم برمجيات، وخريج جامعة عين شمس، وزوجتي إيناس مثلي من نفس دفعة وقسم الكلية.. ونعمل كلينا في مجال هندسة البرمجيات. وهبنا الله طفلتين، نور وسارة؛ نور الكبرى بعمر 8 سنوات، وسارة بعمر 5 سنوات.
عند بلوغ نور سن الرابعة، كنتُ أفكر مع إيناس زوجتي بالطرق التي يجب علينا اتباعها لتنمية الجزء الإبداعي في شخصية نور، لأن هذا ما يجعل الطفل مختلفاً منذ صغره، أول تحدٍ واجهنا هي تعدد الأجهزة الإلكترونية المتوفّرة لمن هم في عمر نور، من التلفاز وبرامج الأطفال المتنوعة، والأجهزة اللوحية وحتى هواتفنا الذكية، فلا يخفى على أحد جاذبية هذه الأجهزة البراقة للأطفال، وتعاني معظم المنازل من تعلُّق الأطفال الزائد بهذه الأجهزة وصعوبة التخلص منها ومن أثرها على صحة الطفل وتفكيره وعقليته، فهي تحوّل الطفل لعقلية مُتلقية.. تتلقى فقط دون أي إضافة أو ابتكار.. ومع الوقت تعمل على دفن المواهب الإبداعية لدى الطفل، والتي تحتاج للألعاب التفاعلية لتنميتها وتحفيزها.
أول خطوة لمواجهة هذا التحدي، والتأكد من ابتعاد نور عن هذه الأجهزة كانت أن نبدأ بأنفسنا كأم وأب لنور، وذلك بالابتعاد عن هذه الأجهزة، لأنه من غير الممكن منع الأطفال من تصرف محدد وممارسته كأهل. أما الخطوة الثانية فكانت إيجاد بديل لاستثمار وقت الطفل وعقليته الإبداعية في شيء مُفيد.
بدأنا الاهتمام بنوعية الألعاب التي نختارها لنور، جربنا ألعاب مثل العرائس، والمكعبات، والبازل، والشطرنج، وألعاب ليغو المناسبة لسنها، فكلما حدث تنوُّع في نوعية الألعاب، كلما كان أفضل للطفل حيث يمكنه تجربة أنواع مختلفة من النشاطات، وتشغيل مساحات متنوعة من خياله وتفكيره الإبداعي حتى يختار الأنسب لميوله. بعد فترة وجدنا لها ميلاً أكبر لألعاب الليغو عن غيرها.
لعبة ليغو هي عبارة عن مكعبات صغيرة الحجم تعتمد على الفك والتركيب بناء على كتالوج (دليل)، لكن ما يجعلها مختلفة أن بها درجة معينة من الصعوبة مما يجعلها تُمثل تحديا للطفل، كما أن بها تنوعاً كبيراً في الأشكال والتصاميم، فهنالك تصاميم تناسب البنات، وأخرى للأولاد؛ كما أنها تتدرج في مستوى الصعوبة وحجم مكعبات التركيب بما يتناسب مع عمر الطفل وقدراته، حتى تصل لألعاب البناء والتعامل مع للأجزاء الميكانيكية وألعاب أخرى تتعامل مع الدوائر الكهربائية. كما تتضمن تصاميم لبناء بيوت وأبراج، وأخرى لبناء وتحريك روبوتات وبرمجتها وتتدرج بالصعوبة حتى سن 16 سنة. ومما يميزها أيضا أنها ليست ألعاب يلعب بها الصغار فترة من الزمن ثم يلقونها. بل يُمكن استخدام المكعبات السابقة في بناء ألعاب جديدة وهكذا في دائرة لا تنتهي من المتعة للطفل.
أصبح ميل نور لليغو أكبر، لدرجة أنها تفك التصميم وتعيد تركيبه عدة مرات؛ فبدأنا بتدريج المستوى، بداية من مرحلة عمرية 4 سنوات، وقد وصلت الآن لمستوى لعب وتركيب تصاميم ليغو لعمر أكبر من عمرها، بسبب حبها وشغفها بهذه اللعبة. وسعدنا أنا ووالدتها بمشاهدتها تتطور في ممارسة اللعبة من أشكال وتصاميم ليغو بسيطة إلى أشكال وتصاميم أكثر تعقيدا.. وهي الآن في عمر 8 سنوات قادرة على تركيب دوائر كهربائية وأجزاء ميكانيكية صعبة وبرمجتها.
بالنسبة لي كانت الليغو استثمار في مستقبل طفلتي، وفي تنمية مهاراتها لذلك كنت أستقطع جزء من راتبي الشهري من أجل شراء ألعاب ليغو لأنها مكلفة، فهي تُعتبر أكبر شركة في العالم لتصنيع هذا النوع من الألعاب، فوفقاً لسعر اللعبة وللظروف فنحن نشتري لعبة ليغو كل 4 أو 6 شهور. ولكن مع ذلك فعند التفكير في الموضوع فإن كل ما أنفقته على شراء لعب ليغو، هو أقل من نصف سعر جهاز ذكي من الأجهزة الرائدة. فللأسف بعض الأهالي قد يجدون إنفاق مبلغ كبير على شراء لعبة غير مجدي، حتى وإن كانت ستساهم في تنمية فكّر طفلهم، مع أنهم في نفس الوقت مستعدون لدفع 10 أضعاف سعر اللعبة في جهاز تلفاز كبير أو أحدث الأجهزة الذكية أو تغيير سيارة، هي مسألة ترتيب أولويات، إيناس وأنا قررنا الاستغناء عن بعض الكماليات مقابل الاستثمار في عقول أطفالنا، ليس فقط عن طريق الألعاب بل بالكتب والرياضة أيضاً.
عودة إلى ليغو، فقد أثرت إيجابيا على تفكير نور بشكل عام، فمثلاً اتجه تفكيرها إلى محاولة معرفة آلية طيران الطائرة، أو حركة السيارة. نور دائماً من الثلاثة الأوائل على مدرستها، وهي حالياً في الصف الثالث الابتدائي لكن ليس بالضرورة أن تكون الليغو هي السبب وراء تفوقها الدراسي، هنالك أطفال أوائل في دراستهم، بالرغم من عدم لعبهم بالليغو أو أي ألعاب شبيهة، وآخرين مبدعين في الألعاب ولكن متأخرين نسبياً في دراستهم.
أما سارة ابنتي الأصغر فقد بدأنا بتطبيق نفس النظام معها، إلا أنها لا تميل لليغو على عكس نور، فهي ميالة أكثر للشطرنج والتلوين، بالنسبة لي ولزوجتي فنحن ندعمها في أي هواية تختارها وتناسبها، كما أننا نؤمن أن جملة (أنا عايزك تتخصص طب أو هندسة) قد انقرضت في وقتنا الحالي.
الألعاب وحدها لا تكفي لتنمية إبداع الأطفال، فتخصيص الوقت لقضائه معهم بذات الأهمية، ولهذا فقد اتفقت أنا وزوجتي على توزيع الوقت بيننا، وقد كان لزوجتي الدور الأكبر في قضاء الوقت مع الطفلتين، وقد وزعنا الأدوار أيضاً فزوجتي مسؤولة عن المتابعة والمراجعة المدرسية، وأنا أركز أكثر على النشاطات الإبداعية المتنوعة، كالرسم والألعاب والرحلات.
من الجوانب الأخرى التي ركزنا أنا وزوجتي على تنميتها في بناتنا القراءة، فهي برأينا فرض وأمر أساسي لا بد من ممارسته يومياً، بدأنا أنا وزوجتي بالقراءة للبنات من عمرٍ مبكّر وبعمر 5 سنوات بدأت بالقراءة وحدها قصص بكلمات بسيطة، وصور كبيرة، ثم أصبحت ميالة للمجلات المصورة، ومع الوقت أصبحت قراءتها أسرع، وكنت اشتري لها المجلات والكتب مستخدمة أحياناً لأحصل على أكبر عدد ممكن بسعرٍ معقول.
ألعاب الكمبيوتر مفيدة لكن إلى حد معين، وباعتقادي لا يجب أن يتعدى وقتها أكثر من ساعتين أسبوعيا، فهي تحوّل الطفل لكائن عصبي غير صبور، يتوقع أنه يمكنه التحكم بكل ما حوله من خلال ضغط الأزرار، كما أنها لا تضيف فائدة حقيقية للأطفال. الليغو والألعاب الميكانيكية وألعاب المكعبات والتركيب تعلّم الطفل الصبر، لأن تركيبها يحتاج أيام وأسابيع، كما أنها تعلّمه الدقة، لأن كل قطعة تركب في مكانها بالضبط، وتعلّمه الاعتماد على النفس فهو يقرأ الكتالوج ويحاول فهمه وتطبيق التصميم، وتعلّمه الإبداع لأن في اللعبة يبني بيوت، وشخصيات ويفكر في قصة يمثلها.
من تجربتنا أود مشاركة نصيحة عامة للآباء، رغم أنني لست أفضل من ينصح، لكن ممكن تسعد طفلك وترتقي بعقله بأشياء ومنتجات غير مكلفة، أنا ذكرت الليغو، لكن الليغو ممكن يكون مكلف، مع ذلك في ألعاب مشابهة بأسعار أقل وتؤدي نفس الغرض، استغل أي فرصة مثل معرض الكتاب ومواسم التخفيضات. ومن الممكن شراء عدة ألعاب ذهنية على مدار عامين أو أكثر بنفس تمن البلاي ستشين، والهاتف الذكي الموجودة في معظم البيوت. وإذا امتلكت الوقت يمكنك إيجاد الكثير من الفيديوهات على اليوتيوب لصناعة أشياء بالكرتون ودوائر كهربائية وميكانيكا وبخامات بسيطة للأطفال، وتنفيذ هذه الأفكار غير مكلف.
اتعب مع ابنك يوم واحد فقط في الأسبوع، علمه مهارة جديدة كل شهر، واستبدل الكتاب بالتاب.. وستحصد النتائج في تميز ابنك واختلافه بإبداعه.
يمكنك معرفة المزيد عن اختيار الألعاب المناسبة لكل فئة عمرية من هذا الدليل.
أحمد عدلي – أب شغوف ومهندس برمجيات