من أقسى الأخبار التي مرت علي في حياتي هو خبر تشخيص إصابة ابني الثاني بالتوحُّد، كنتُ جالسة أنتظر وهواجسي وأمنياتي تأمل بقدوم طبيب يخبرني بأنه ليس هنالك ما أقلق عليه، وأن ولدي يعاني من تأخر النطق فقط، أي تشخيص أو كلمات كانت ستكون أخف من جملة طفلي التوحدي.
للأسف جاء التقرير بغير ما تمنيت، حمدتُ الله وأصبحت مدمنة على البحث الإلكتروني، أمضيت مدةً من الزمن أبحث عن علاج للتوحُّد، عن يد مساعدة، عن بصيص أمل، ولكن الأمل والتغيير الحقيقي كان عندما أيقنتُ وبكل شفافية، أن ولدي مختلف وليس متخلف، أنه قادر على التعلُّم ولكن بأسلوب يناسبه هو، وبطريقةٍ تناسب ميوله.
وبدأت مشواري مع عبد الرحمن، مشوار مليء بالتفاؤل والأمل. رتبت أهدافي، وبدأت في تعليمه، في كل حصة دراسية كان حالنا أشبه بالمتعاركين، كأننا جيشين متلاحمين، كنتُ أنا أدربه وهو يضربني، ويرميني بالأشياء، ويعضني أحياناً. عانيت من الخوف والقلق، ولكنني أبداً لم أيأس كنت مصرةً على هدفي، بالرغم من عدم حصولي على أي نتيجة في وقتها.
كان من حولي يشفقون علي، وعلى الأوقات التي أقضيها في تدريبه وتعليمه من دون أي تطوُّر واضح، ولكن من داخلي كنت موقنة أنه يتعرّف على ما أعلمه لكنه لا يستجيب. مع التجربة والتكرار تغيّرت طريقتي في التدريب، خاصة بعد أن أدخلته في مركز علاجي يستخدم طريقة (ا ب ا) تعديل السلوك التطبيقي مع أطفال التوحُّد، وهو علم أسسه الكثيرون منهم لوفاس ويتم تطبيقه على أطفال التوحُّد. وأحبُّ أنا أن أسميه العلمُ الصبور، حيث يعتمد التدريب خطوة بخطوة على مهارات بسيطة ومن ثم جمعها في مهارات متطورة.
في الأربعة شهور الأولى من التدريب، كانت المهارة الأساسية التي ركز عليها المدرب هي النظر في الوجوه، كان المدرب يطلب من عبد الرحمن النظر في وجوهنا ويكافئه في كل مرة ينجح في ذلك. احتاجني الأمرُ الكثير من الصبر، فبالرغم أن عبد الرحمن بدأ ينظر في وجوهنا لبرهة، إلا أنني كنت أريد المزيد، لم أستطع الانتظار حتى يتمكن من التقليد، والتواصل، والحديث، كنت أشعر بالإحباط في كثيرٍ من الأحيان.
بعد مرور الأربعة شهور بدأ عبد الرحمن يتدرب على التقليد، تدرب أن يلوّح، أن يمسك أنفه، كان أشبه بالإنسان الآلي، لكن فرحتي كانت لا توصف، كنت أطير فرحاً، فقد بدأ ولدي يتغير! والتغيير هو بداية تعلُّم أي طفل. أن ينظر إلينا ويبدأ بتقليدنا، هكذا تعلمنا جميعاً. وبدأت رحلة تدريبه تتطوّر، وكنت موقنة في داخلي أنه يقدر ويستطيع ويعرف ولن يخيب الله رجائي.
لمعرفة المزيد حول تطوير مهارات طفل التوحد اقرئي كيف تفسرين نشاطات الحياة اليومية لطفل التوحُّد؟ من عيادة كمالي.
بعد فترة من التدريب أصبحت أطمح للمزيد، أريد لولدي أن يتعلّم، وأرغب بأن أراه ممسكاً بالقلم، ويقرأ، ويكتب، ويحسب.. وبدأت رحلتي في التعليم مع عبد الرحمن.
اقرئي المزيد عن تجربة أم عبد الرحمن:
تجربة أم عبد الرحمن: العلامات المبكرة للتوحُّد
و
رحلتي مع طفلي التوحدي جزء 2: كيف نجحت في تعليم طفلي التوحدي