تبدأ الأم دائماً رحلة الأمومة وهي محملة بحقائب من ماضيها. فما الذي تحمله الأم معها من طفولتها؟ وما هو تأثيره على تربية أطفالها ودورها كأم؟ وما هو تأثير ما تحمله الأم معها من ماضيها على التربية الواعية؟ الإجابات فيما يلي.
هل على الأم تربية أطفالها كما تربت هي؟
هناك قاعدة تربوية معروفة تقول: ” لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم” وهذه المقولة تجيب على هذا السؤال. فبالفعل زمان أطفالنا يختلف عن زماننا. لذلك مهما تمنينا ذلك لا يمكننا أن نربي أطفالنا كما تربينا. لأن هناك اختلافات كبيرة أهمها البيئة المحيطة، والتكنولوجيا، والعولمة، والعلاقات الاجتماعية وطريقة التدريس. لذلك من المهم أن تنزع الأم اليوم قبعة أمها التي ترتديها طيلة الوقت، وأن ترتدي كل أم قبعتها الخاصة، وأن تسلك طريقاً تربوياً مناسباً لها ولأطفالها، ولزمانهم.
ما هي أهم الاختلافات بين تربية الأمهات في الماضي والتربية اليوم؟
-دخول التكنولوجيا
-حرية التعبير
-القناعات
حيث كانت التربية سابقاً مبنية على مبدأ: “نفذ ثم ناقش” أما أطفال اليوم فمن المهم إقناعهم بأي شيء قبل القيام به. فلا يمكن اليوم تطبيق الأسلوب الدكتاتوري الذي اتبعه بعض الأهالي سابقاً. من الجدير بالذكر أن هذه الدكتاتورية استبدلت اليوم بالسيطرة المخفية التي تمارسها الكثير من الأمهات في تربية الأطفال. حيث أصبحت الكثير من الأمهات اليوم ينفذن خططهن وأحلامهن من خلال تعبئة وقت أطفالهن بنشاطات واهتمامات وبشكل مفرط. فالتربية التي تطبقها الكثير من الأمهات اليوم، وبالرغم من اختلافها عن التربية في الماضي، ولكن لا تزال تميل الى السيطرة وفرض الرأي، ولكننا للأسف في حاضرنا في بعض الأحيان نفرضه وننكر أننا مسيطرين وذلك من خلال التعامل مع أبنائنا بخطط وأجندات نضعها حتى قبل ولادتهم.
كلنا نسمع اليوم بالتربية الواعية، ونطمح بأن نصل إلى هذا الوعي، فما الذي يعيقنا عن أن نكون مربين واعيين؟
1-الخوف
عندما تربط الأم كل تصرف لطفلها بمخاوف سابقة من ذاكرتها ومن طفولتها. حيث تقارن الأم في أغلب الأوقات تصرفات طفلها بتصرفات أشخاص من طفولتها وماضيها وتخشى أن يتحول طفلها لهذا الشخص، أو أن يمر ابنها بتجربة قاسية قد مرت بها. من المهم أن تتعامل الأم مع طفلها من خلال تحييد ذكرياتها وماضيها والتعامل معه على أنه شخص منفرد غير مرتبط بذكرياتها وماضيها. والتعامل مع تصرفاته بشكل مطلق بدون ربطها مع خوف الأم النابع من تجاربها في الماضي، يعني باختصار أن تعيش اللحظة وتفهم محتواها ومتطلباتها لا أن تقيسها بما مرت به سابقاً. لأن ذلك سيؤدي إلى عدم تقبل الأم لأطفالها أو تصرفاتهم، ولا يمكنها التعامل مع الموقف بوعي مما يحول دون تطبيق التربية الواعية.
2-التوقعات
حيث تضع الأم لطفلها مجموعة توقعات حتى من قبل أن يولد. فكل أم تحلم بطفل جميل، وأنيق ومتفوق دراسياً، ويعزف آلة موسيقية جميلة، وغيرها من التوقعات. لذلك تواجه بعض الأمهات صدمة أحياناً بعد الولادة لأن شكل الطفل لم يكن مثل توقعاتها، فلم يكن أنفه صغيراً كأنف والده، وعينيه ليستا زرقاوين مثل عيون جدته. وتتوقع الكثير من الأمهات أن يكون طفلها متفوقا، فيكون طفلها متوسط الذكاء، وأن يكون رياضياً متميزاً، فلا يمتلك طفلاها أي شغف نحو الرياضة. كما تتوقع الأم أن يكون طفلها مهذباً لا يتلفظ بأي ألفاظ سيئة، وأن يستمع لها في كل ما تقول فتشعر بخيبة أمل وخوف كبيرين إذا تلفظ الطفل بأي لفظ غير لائق، أو إذا رفض الامتثال لأوامرها. فيزداد خوفها وتتوقع الأسوأ من طفلها في المستقبل لذلك لا داعي للقفز لتوقعات مستقبلية قد تكون غير صحيحة وتخيل أن الطفل سيكبر ويهمل أوامر والدته طيلة عمره، قد لا يستمع لك طفلك لأته متعب أو لأنه منزعج لا تقفزي للتوقعات وعيشي اللحظة مع أطفالك دائماً. لا تتقبل الكثير من الأمهات أطفالها بسبب هذه التوقعات، وخيبات الأمل المصاحبة لها.
3-إطلاق الأحكام
تضع الأم الطفل تحت المجهر وتحلل كل تصرف للطفل وتطلق الحكم عليه. فلمجرد أنه لم يستطع حل مسألة رياضيات تحكم الأم على طفلها بأنه ضعيف في الرياضيات. أو إذا خسر في مباراة كرة القدم تحكم عليه بأنه غير ماهر في لعب كرة القدم. أو إذا كان الطفل كثير الحركة تتسرع الأم بالحكم عليه بأنه مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه بينما يكون الطفل فقط نشيطاً ويتحرك لأنه طفل! إطلاق هذه الأحكام المبنية على تحليلات الأم المفرطة يؤدي إلى عدم التقبل وهو أكبر عائق أمام التربية الواعية والناجحة.
4-الكبرياء
تظن الأم أن طفلها هو انعكاس للأنا أو ال EGO الخاص بها أمام المجتمع. هذا يجعل الأم أن تتعامل مع طفلها على أنه أداة لتحقيق أحلامها وطموحاتها، ويعكس نجاحها هي. كما تستخدم الأمهات أحياناً الأطفال لتغطية عيوب أو نواقص لديهن. فتسعى الأم لجعل طفلها صورة مكملة لها، فتكون علاقة الأم بطفلها مبنية على كبريائها وتصورها لذاتها. لذلك تصاب بالكثير من خيبات الأمل الذي يؤدي لعدم التقبل والسيطرة المفرطة. فتفرض على طفلها الكثير من النشاطات الرياضية والموسيقية دون أن يتقبل الطفل هذه النشاطات وذلك لإرضاء طموح وكبرياء الأم. فاليوم وفي تجربة التعليم عن بعد الأم التي تقوم بحل واجبات طفلها وتقديم الامتحان بدلاً منه، هي تقوم بتحقيق كبريائها دون أن تكترث لتربية طفلها وتعليمه.
كما ينعكس هذا الكبرياء على التعامل بين الأمهات والأطفال، فمثلاً إذا رفع الطفل صوته في الأم بدلاً من أن تتصرف معه على أساس تربوي وتتوقف وتأخذ نفس عميق لتعرف سبب هذا الصراخ، وتقوم هذا السلوك بهدوء، تشعر بأن كبريائها قد تأذى وتتعامل مع الطفل بعصبية، وتتفاقم المشكلة دون حل.
كيف يمكن أن تفصل الأم ما تحمله من طفولتها عن تربية أطفالها بشكل واعي؟
الإجابة هي: من خلال عيش اللحظة!
وذلك من خلال تناول تصرفات الطفل وتجريدها من أي شيء، والتعامل معها بشكل مطلق.
فمثلاً عندما يرفع الطفل صوته في وجه الأم من المهم ألا تتعامل مع هذا السلوك السلبي بخوف، فتخاف أن يصبح طفلها شخص سيء الأخلاق. أو من خلال توقعاتها وتشعر بخيبة أمل من هذا التصرف، أو من خلال الأحكام التي تطلقها فيصبح طفلها في نظرها لا يحترمها، أو من خلال كبريائها فتشعر بالإهانة من سلوك طفلها نحوها وهي التي ربت وضحت.
يجب إزالة كل هذه الحقائب من الماضي والتفكير باللحظة الراهنة. والتعرف على احتياج الطفل الذي دفعه للصراخ، والسبب الذي دفعه للصراخ ومعالجة الأمر بشكل مطلق بعيداً عن أي متعلقات من طفولتنا.
“أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة”
مقولة جبران التي أصبحت حجر أساس التربية الواعية. فمن المهم التعامل مع الطفل على أنه شخص مستقل غير مكمل لنا. وليس من دور الطفل أن يحقق أحلام أهله، وطموحاتهم. ولا يعتبر الطفل التعويض للأم عن تضحيتها. وهنا يجب التأكيد أنه في المراحل الأولى من حياة الأم عليها أن تقدم الرعاية والحب والحنان لطفلها، ولكن دون تضحية، حيث أن التضحيات فاتورة من المتوقع سدادها. لذلك قومي بدورك كأم وقدمي لطفلك ما يحتاج دون أن تضحي بحياتك وتلغي نشاطاتك، وراحتك ودون أن تؤجلي اهتماماتك. وفي عمر لاحق دور الأم هو مرافقة الطفل وليس السيطرة عليه.
مساوئ سيطرة الأهل على أطفالهم
تشير الدراسات الحديثة إلا أنه 31.9% من الأطفال اليوم دون سن الثامنة عشرة يعانون من اضطراب القلق ويعود ذلك بالأساس لشدة سيطرة الأهل اليوم على أطفالهم وتدخلهم المفرط في شتى جوانب حياة الأطفال. حيث تتسابق الأمهات بتطبيق مختلف الأساليب التربوية والأفكار المختلفة مهما تباينت على أطفالها. فمن المهم تطبيق أسلوب تربوي مناسب للأم والطفل دون تقليد جميع الأساليب مرة واحدة.
عندما تضع الأم الهدف الصحيح أثناء تربيتها لأطفالها، وهي تربية أطفال أصحاء وسعداء ستتيسر الظروف من حولها وستنجح بتحقيق هذا الهدف السليم دون سيطرة وضغوطات
ما تأثير طفولة الأم على التربية الواعية؟
تحمل الأم معها منذ طفولتها تجارب وصدمات تؤثر على أسلوبها التربوي. وأحياناً تنعكس هذه التجارب بشكل إيجابي، فمثلاً تسعى الأم التي لم تكمل تعليمها أن يحصل أطفالها على تعليم ممتاز. وأحياناً أخرى يكون الانعكاس سلبياً فمثلاً يتعامل الكثير من الأهل الذين كانوا يتعرضون للقسوة والعنف، إلى التعاون المفرط مع أطفالهم فيربون أشخاص فاسدين وغير مسؤولين. لذلك من مسؤولية الأم أن تعالج صدماتها وتجاربها السابقة، وألا تستخدمها في تربية أطفالها.
الشعور بالذنب عند الأمهات
وهو ما أعتبره مرض العصر! وذلك بسبب وجود أمهات يمتلكن الوقت الكافي والوعي الكافي والدخل الكافي لتربية أطفالها بشكل هادئ وصحي، نجد أن الأم العاملة مثلاً والتي تخضع للكثير من الضغوطات تشعر بالذنب تجاه أطفالها بسبب مقارنتها لأطفالها، ولتربيتها لهم مع أطفال آخرين.
بالإضافة إلى وجود مفهوم منتشر بين الكثير من الأمهات بأن عليهن التواجد بالقرب من أطفالهم 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع. لذلك تشعر الأم بالذنب لمجرد خروجها مع صديقاتها. وفي الحقيقة أن الأم والأطفال يحتاج كل منهم مساحة ووقت بعيداً عن الآخر. لذلك راعي أطفالك، ولبي احتياجاتهم ولا تنسي أن تهتمي باحتياجاتك، وأن تكرسي وقتاً خاصً بك أيضاً. وتخلي عن السيطرة والشعور بالذنب وأبعدي أي مشاعر سلبية لكي تحققي التربية الواعية مع أطفالك.
تصفحي أيضاً تفوق الأبناء: ما هو مقياسه الصحيح؟