انشري سؤالك
العنوان
سؤالك مختصر (اختياري)
اختاري موضوع
تجاهل

تربية الأبناء بين العقاب والتأديب والتواصل

تربية الأبناء بين العقاب والتأديب والتواصل

لطالما ارتبطت تربية الأبناء وتأديبهم بالعقاب. وتبحث الأمهات دائماً عن سبل العقاب التي تضمن لها بحسب اعتقادها تأديب طفلها. سنتحدث في هذا المقال عن أهمية التواصل مع الأبناء، وعن أهمية وضع الضوابط، وعن العقاب ومعاييره الصحيحة.

 في البداية أود أن أنوه أنه يمكن أن تكون تربية الأبناء ناجحة وخالية من التوتر من خلال خطوات أساسية وهي:

1-التواصل

من المهم وجود تواصل إيجابي مع الأبناء، من خلال وجود تفاهم متبادل، وحرية تعبير، والتعاطف وإقرار الشعور.

2-الضوابط

قبل أن تستعجلي في عقاب طفلك، اسألي نفسك هل وضعت ضوابط واضحة للسلوك لأطفالك؟ بناء على وجود ضوابط واضحة أمام أطفالك ستجدين نفسك أمام خيارين إما العواقب وإما العقوبة. وفي الحقيقة عند وجود تواصل بناء مع الطفل ووجود ضوابط واضحة أمامه نادراً ما ستلجئين للعقوبة. مثلا أن تطلبي من طفلك تنظيف البيت بعد أن قام ببعثرة ألعابه وفتات الطعام، عاقبة وليست عقوبة. طبقي لكل خطأ عاقبة مناسبة وفورية حيث أن الطفل ينسى ويجب تذكيره بخطئه من خلال عاقبة مرتبطة بخطئه.

3- العقاب

من الأفضل تسمية العقاب بعاقبة حيث أنها نتيجة لخطأ الطفل وليست وسيلة للانتقام من الطفل.

ما أهمية التواصل في التربية؟

يمكن الحصول على استجابة من الطفل عندما يكون هادئاً وعندما يشعر بالتواصل، وعندما يكون هناك شبكة تواصل قوية بينه وبين والديه. أما عندما يكون الطفل عصبياً وغاضباً وغير مسيطر على مشاعره لن يمكننا التواصل معه. لأنه في مثل هذه اللحظات لن يكون دماغه قادر على استيعاب أي تواصل بسبب الغضب الشديد الذي يشعر به. وبالتالي فرض عقوبة او الصراخ او الاهمال يزيد من حدة التوتر ولا يعطي أي فاعلية.

تقسم حالات دماغ الطفل إلى الدماغ العلوي والدماغ السفلي، ويعرف ذلك ب The upstairs brain and the downstairs brain.

الدماغ العلوي The upstairs brain عندما يكون الطفل هادئ وقادر على التواصل، والدماغ السفلي the downstairs brain عندما يكون الطفل في حالة هيجان وغير قادر على التواصل.

لذلك من المهم استغلال لحظات وجود دماغ الطفل في حالة التواصل لبناء شبكة تواصل إيجابية مع الطفل، لاستخدامها للتحدث مع الطفل حتى في حالات انعدام التواصل، وهنا المرحلة التي يجب أن تبنى فيها الضوابط وتعرف فيها العواقب، وليس أثناء نوبة الغضب. لذلك يعتبر التواصل هو أهم خطوة في التربية، فلبناء علاقة صحية ولتسهيل تربية الأبناء من المهم جدا بناء جسور للتواصل من عمر مبكر. فالعائلات التي تفتقر لهذه العلاقة وتبني علاقتها بأبنائها على السيطرة وإصدار الأوامر تعاني من صعوبة ليس فقط في التحدث مع الأطفال، بل أيضاً في تأديب الأطفال وتربيتهم

هل التواصل مع الأبناء يجعل العلاقة معهم بدون ضوابط وجعل تربية الأبناء أصعب؟

الإجابة هي لا! والتفصيل في هذا المثال:

تخيلي أن طفلك الصغير يقوم بنوبة غضب ليحصل على الشوكولاتة، استجابتك مع هذا الموقف ستكون من خلال أحد هذه الحلول:

-الحل الاستسلامي وهو إعطاء الطفل ما يريده

-‎الحل العقابي (وهو المفضل لدى الكثيرين): هو الصراخ في الطفل وإنزال عقوبة بالطفل وعدم إعطاؤه الشوكولاتة او اهماله والابتعاد عنه ما يعني اهمال شعوره وهذا سيزيد نوبة الغضب.

-الحل التواصلي: حيث تقر الأم شعور الطفل وتخبره بأنها تعرف بأنه غاضب وحزين لأنه يريد الشوكولاتة، وتذكره بالضوابط الموضوعة سابقاً، مثلاً أنه لا يمكن الحصول على الحلوى قبل الغداء، أو غيرها من الضوابط التربوية التي وضعتها الأم والتي تحول دون إعطاء الطفل ما يريد.

كيف يمكنك إرساء قواعد تواصل قوية مع الأطفال

يمكن تلخيص التواصل مع الأبناء بتعريفه على احترامهم كأشخاص، ويبدأ التواصل الناجح مع الطفل من قبل ولادته. فعندما تضع الأم الحامل يدها على بطنها وتتحدث مع طفلها، هذه بداية التواصل وبداية الاعتراف بهذا الجنين على أنه شخص. من المهم أن تتواصل الأم من طفلها منذ الولادة وأن تنظر في عينيه وتحدثه في كل لحظة وتشرح له كل ما يحدث، وتخبره أنها الآن تقوم بتغيير حفاضه، والآن وقت الرضاعة، وأنها ستقوم بتحميمه… إلخ

‎كما أن التواصل لا يقتصر على الكلام فقط، بل على طريقة التعامل. حيث يشعر الطفل المولود حديثاً بأسلوب التعامل الحنون، وبأسلوب التعامل الجاف. لذلك من المهم أن تكون معاملة الطفل بحنية ولطف منذ عمر مبكر، ليدرك أن هذا هو أسلوب التعامل الذي سيحصل عليه بقية حياته. ويعطي الطفل شعور التواصل الذي يحتاجه ليشعره بالطمأنينة اتجاه الحياة وانه يحق له أن تلبّى رغباته المسموحة لأن التواصل مع الأم وابقاء علاقة متينة في اول خمسة شهور هو ما يعطيه الشعور بالأمان.

وعندما يصبح الطفل قادر على التحدث من المهم الاستماع إليه وإقرار شعوره والتواصل معه بشكل إيجابي. ثم إعطاء مجال للطفل لإيجاد الحلول. كما من المهم إعطاء الطفل كامل الانتباه أثناء تحدثه، ضعي هاتفك جانباً واستمعي لطفلك حتى النهاية، وأقري شعوره وتفاعلي معه. فأنت تبنين بذلك جسور تواصل ثمينة ومهمة.

‎ إذا أهملت طفلك عندما يتحدث إليك سيخلق لديه حالة من العصبية والإحباط والتي ستطور مع الوقت لتصبح تمرد على أنظمة وقوانين الأم. كذلك فعدم تلبية المشاعر يتم تعويضها بالأشياء، لأن الطفل يفتقد التعبير عن شعوره وعند الإحساس بنقص المشاعر يشعر بالرغبة والطمع بامتلاك الأشياء كنوع من التعويض دون أن يشعر بالإضافة الى الرغبة باستفزاز الأهل كنوع من المشاعر. وهنا تزداد حدة النزاع.

يتمثل التواصل في التربية في تواجد الأهل مع الطفل في اللحظات الصعبة، وفتح مجال للحوار، والحرص على إقرار شعور الطفل، والشعور به. ثم اتخاذ الإجراء الصحيح والمناسب لكل حالة يمر بها الطفل. ولا يعني ذلك أبداً إلغاء الضوابط التربوية.

متى يستحق الطفل العقاب؟

قبل استحقاق العقاب، هل تم الاتفاق على الأعمال غير المقبولة وإقرار العقاب في حال حدوثها؟ القوانين السماوية والدنيوية نصت الخطأ والعقاب، أما في التربية فالعقاب لم يوضع له قوانين. يعني لم نوضح للطفل العمل غير المقبول وفي حال حدوثه سيترتب عليه عقاب. الاختلاف هنا أننا لا نتكهن ما الخطأ، لذلك عند وقوع الخطأ في المرة الأولى يجب توضيح ان هناك خطأ في التعبير أو التصرف، تحدثي معه عن خطئه وأقري شعوره وأخبريه لماذا يستحق العقاب وأطلعيه على نوعية العقاب وإذا تكرر سيكون عليه عقوبة معينة يتم توضيحها، لذلك يستحق العقاب عند وقوع خطأ معروف انه خطأ ومعروف عقوبته. ولا نفاجئ الطفل بعقوبة لم يعرف سببها، ولا نختار العقوبة كل مرة على أهوائنا.

من المهم الإشارة إلى أن العقاب في رحلة تربية الأبناء يجب أن يكون جزء من العملية التأديبية وليس انتقاماً من الطفل.

كيف أعاقب طفلي؟

1-العقاب من جنس العمل

مثلاً إذا تناول الطفل الشوكولاتة قبل الغداء، وهو يعرف أن هذا ممنوع. يجب أن يكون العقاب متصل بهذا الفعل كأن يحرم من حقه في تناول الشوكولاتة في اليوم التالي. أما أن يعاقب الطفل بحرمانه من ذهابه لعيد ميلاد صديقه الأسبوع القادم، فهذا غير مجدي ولن يتمكن الطفل من ربط الخطأ بالعقاب.

2-العقاب في نفس اللحظة

لا تعاقبي طفلك بحرمانه من شيء في الأسبوع القادم فهو بالتأكيد سينسى، وستعلم أن فعلته مرت دون عقوبة. يجب أن تكون العقوبة فورية. وإلا شعر طفلك بالظلم لعدم قدرته على ربط فعله الخاطئ في الأسبوع الماضي وبين العقوبة التي يعاني منها الآن.

3-العقاب على قدر الخطأ

لا تعاقبي طفلك عقوبة شديدة على فعل خاطئ صغير وغير مؤذي.

4-العقاب بدون تعنيف

من المهم أن يكون عقاب الطفل خالي من أي عنف جسدي أو لفظي.

5-العقاب بدون حرمان

لا تحرمي طفلك من الأشياء التي من حقه مثل الطعام، والنوم، واللعب والتواجد مع العائلة. يمكنك حرمان طفلك من الأشياء الإضافية أو ما يعرف بالرفاهيات، مثل لعب ألعاب الفيديو أو الخروج مع الأصدقاء. لا يمكن حرمان الطفل من الطعام، أو من تواجده مع أسرته. لذلك تبين أن أسلوب ال Naughty chair  الشهير غير مجدي في تأديب الأطفال، ومؤذي جداً لهم. لأنه يحرمهم من حق أساسي وهو تواجدهم مع الأهل وباقي الأسرة. بالعكس سيشعر الطفل بالكثير من الغضب من مثل هذا العقاب، وهذه المشاعر لن تساعد في تأديب الطفل، بالعكس ستفقده التواصل مع الأهل مما سيصعب التحدث معه وبالتالي سيستحيل تأديبه.

من المهم التنويه أن الهدف الأساسي من العقاب هو التعليم وليس الانتقام! مثلاً إذا أتلف الطفل شيئاً يجب أن تكون عقوبته إصلاح هذا الشيء أو قيام بمهمة منزلية تشابه إصلاح الشيء الذي أتلفه. مثلاً إذا قام طفلك الصغير بنثر مكعبات الليغو في أرجاء الغرفة يجب أن تكون عقوبة الطفل جمع المكعبات ووضعها في مكانها، بدلاً من الصراخ أو الضرب أو الحرمان من اللعب.

ماذا بعد العقوبة؟

بعد إيقاع العقاب التعليمي المباشر، والمناسب للخطأ والخالي من العنف، من المهم مراجعة الموقف والتواصل مع الطفل والحديث معه عن الخطأ وعن سبب معاقبته. للاستفادة قدر الإمكان من هذه التجربة.


انضمي للنقاش